بقلم / هشام رافت
#تنمية_بشريةوتعديل_سلوك
في ظل التوسع السريع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه المنصات مجالاً مفتوحًا لمناقشة قضايا عامة وأحيانًا للتهجم على الخصوصيات والخوض في الأعراض. من هنا، تتجلى الحاجة إلى فهم الفرق بين مناقشة الشأن العام والشأن الخاص، وخطورة الانزلاق إلى الخوض في الأعراض، مع توضيح المنظور الشرعي لهذه المسائل.
1. الشأن العام والشأن الخاص: حدود التمييز
الشأن العام:
يشمل القضايا التي تؤثر في المجتمع ككل أو فئات كبيرة منه، مثل قضايا الصحة العامة، التعليم، السياسات الحكومية، أو مشكلات اقتصادية واجتماعية. مناقشة الشأن العام تعتبر ضرورية، إذ تسهم في نشر الوعي ومحاسبة المسؤولين عند التقصير. لكن يجب أن تكون المناقشات مبنية على الحقائق، بعيدة عن التشهير أو الاتهامات الباطلة.
الشأن الخاص:
يتعلق بالأمور الشخصية للأفراد، مثل حياتهم العائلية، المالية، أو تفاصيل حياتهم اليومية. الشأن الخاص محاط بخصوصية يحميها القانون والأخلاق. الخوض فيه على منصات عامة يعد انتهاكًا صريحًا لهذه الخصوصية.
2. الخوض في الأعراض على وسائل التواصل الاجتماعي
الخوض في الأعراض هو الحديث بسوء عن سمعة وشرف الآخرين، سواء عبر نشر معلومات صحيحة أو مفبركة. ويأخذ هذا السلوك أبعادًا خطيرة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب:
الانتشار السريع للمعلومات: يمكن أن تصل الإشاعات أو التهم إلى الآلاف في لحظات.
التأثير النفسي والاجتماعي: يؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية، التأثير على سمعة الشخص، وفي بعض الأحيان إلى مشاكل نفسية قد تصل إلى الانتحار.
3. حكم الدين في مناقشة الشأن العام والخاص والخوض في الأعراض
مناقشة الشأن العام:
الإسلام يشجع على الاهتمام بالشأن العام، لكن بضوابط شرعية وأخلاقية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة." لكن النصيحة لا تعني الفضيحة، لذا يجب أن تكون النقاشات العامة هادفة وبناءة.
الشأن الخاص:
الإسلام يحرم انتهاك الخصوصية. قال الله تعالى: "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا." (سورة الحجرات: 12). التعدي على الشأن الخاص يعد من كبائر الذنوب.
الخوض في الأعراض:
هذا السلوك محرم تحريمًا قاطعًا في الإسلام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه." (رواه مسلم). الخوض في الأعراض يُعتبر نوعًا من القذف، وقد أوجب الإسلام حد القذف لمن يرتكب هذا الجرم، وهو ثمانون جلدة، إلا إذا جاء بأربعة شهود على صحة ادعائه.
4. المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية
ضبط النفس:
على الأفراد أن يتحلوا بالحكمة والتريث قبل نشر أي معلومات على وسائل التواصل.
المسؤولية القانونية:
القوانين الحديثة تعاقب على التشهير وانتهاك الخصوصية، ما يعزز ضرورة الالتزام بالآداب العامة.
تعزيز الوعي:
المجتمع بحاجة إلى حملات توعية مستمرة بأخطار الخوض في الأعراض، ودور الفرد في الحفاظ على السلم الاجتماعي.
وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين؛ يمكن استخدامها لنشر الوعي والخير، أو للتشهير ونشر الفتنة. التمييز بين الشأن العام والخاص، والابتعاد عن الخوض في الأعراض، يعكس الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية. علينا أن نتذكر دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت."
اترك تعليقا: